نبذة عن وزارة الخارجية
انطلق العمل الدبلوماسي للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب مبكرا مما يدل على وعي المؤسسين بأهميته حيث اتخذ طابع العمل بروح الفريق رغم صعوبة البدايات و شمولية العوز في الإمكانيات فأوكل العمل الخارجي لكوكبة من المناضلين تحت اسم لجنة العلاقات الخارجية و الإعلام حيف و منذ إندلاع الكفاح المسلح كان لابد من البحث عن قاعدة إسناد خارجية وإعلامية فكان من المنطقي أن تكون الجزائر قبلة الثوار ومحج الأحرار منذ الوهلة الأولى تلك القاعدة حيث إحتضنت الثورة الصحراوية و وجدت فيها المبتغى من الدعم والمساندة.
المرحلة الأولى:مرحلة التأسيس ورفع التحدي( من 73 إلى 75 )
بعد المؤتمر الثاني للجبهة مؤتمر الشهيد عبد الرحمن ولد عبدالله ،والذي كان من بين قراراته إنشاء لجنة الإعلام والعلاقات الخارجية التي شكلت إيذانا ببداية التعريف بمقررات المؤتمر والرؤية الثاقبة لجبهة البوليساريو من تطورات الأحداث، بدءا من ليبيا و الجزائر، وصولا إلى العديد من الدول العربية و الإفريقية،حيث تم تسليم المذكرة المرسلة للأمين العام للوحدة الإفريقية يوم 19 يناير 1975،والتواصل بهمة فولاذية بالعديد من سلطات هذه الدول ووسائطها الإعلامية التي تناولت القضية الصحراوية في تلك الفترة.
كانت لجنة العلاقات الخارجية و الإعلام خلية نحل نشطة وغرفة عمليات فعالة مدعومة أحيانا من طرف الأمين العام شخصيا إذ رغم شح الإمكانيات وتواضع المؤهلات، لكن بالمقابل كان لقوة الإرادة والإيمان المطلق والروح النضالية المتقدة المتشبثة بعدالة القضية والمستعدة للتضحية وتجشم المخاطر في سبيل إيصال صوت الشعب الصحراوي إلى أوسع نطاق،فقد كان على العضو القيادي في لجنة الإعلام والخارجية أن يدرس جيدا المنقطة التي أرسل إليها وتاريخ الدولة التي يزورها ،والمنتديات والمؤتمرات والمنظمات والأحزاب ذات الصلة بالموضوع ،و تقديم إقتراحات للقيادة في هذا الصدد. وبهذه الروح المتوثبة لصنع المستحيل والمستميتة في سبيل هذا الهدف النبيل تمكنت هذه الكوكبة من إيصال صوت هذا الشعب الصحراوي والتعريف بقضيته العادلة ونشرها عبر أصقاع العالم من خلال توجيه المذكرات ومختلف الإرساليات،ومنها المذكرة التي رفعت إلى محكمة العدل الدولية 1975 والقيام بالزيارات لمختلف القارات،حيث يسجل وصول أول وفد إلى نيويورك 23 أكتوبر 1975 موجها مذكرة إلى الجمعية العامة، و يتدخل مرتين أمام اللجنة الرابعة الخاصة بتصفية الإستعمار مسترشدا بالقرار التاريخي للأمم المتحدة 15 14 ،ومستلهما روح التحدي وقوة الشكيمة من عدالة القضية.
لقد شكلت الرؤية الثاقبة لجهاز العلاقات الخارجية والتوجيهات المحددة والموحدة للمناضلين ،وروح الإنضباط وقوة الإنقياد لنداء الواجب الوطني،شكلت كلها عوامل أسهمت في النجاعة والفعالية في العمل الدبلومسي والإعلامي خلال تلك الحقبة المفصلية من تاريخ الحركة ،و أعطت ثمارها في تعاظم المكاسب وتنامي الزخم الثوري وشحذ همم المناضلين ودفعهم لمزيد من تفجير الطاقات لصنع المزيد من الإنتصارات، وإكتساح جديد الساحات وجلب التعاطف والتأييد،كل هذا العمل المبهر جاء نتيجة الروح النضالية الجياشة التي عوضت الإمكانيات المادية والبشرية المحدودة ،وألهمت الجماهير الصحراوية ودفعتها للإنخراط في هذا العنفوان الثوري كما أن التكامل في الوظائف والأدوار أسهم في مراكمة الرصيد الرصين من الإنجازات والمآثر.
تم في تلك المرحلة تحديد 08 نقاط استراتيجية كأهداف توجيهية للعمل الخارجي والإعلامي يمكن حصرها فيما يلي:
1. إفريقيا والحدود الموروثة عن الإستعمار.
2. أسيا ودول العالم الثالث التي لها إرث نضالي.
3. أمريكا اللاتينية والروابط اللغوية معها ،و إبراز خيانة إسبانيا للشعب الصحراوي بعد قرن من الإستعمار.
4. أوروبا الغربية و التركيز فيها على كل التلاوين السياسية ،ثم الصحافة لأن التعتيم الإعلامي هو الذي فتح المجال أمام الغزو لشن حرب إبادة على شعبنا و وطنه.
5. أوربا الشرقية ، و مبدأ تقرير المصير وطلب الدعم والساندة ،حيث كانت أنظمتها ممركزة في الكريملن ،ماعدا يوغسلافيا التي كانت ضمن حركة عدم الإنحياز.
6. الوطن العربي و الإحساس بالإنتماء.
7. المنظمات الدولية والتخصصية كل في مجاله: المفوضية السامية لغوث اللاجئين ،الصليب الأحمر الدولي و منظمات حقوق الإنسان.
8. المنظمات الإقليمية خاصة منظمة الوحدة الإفريقية التي حضرت لها الأرضية من خلال الإتصال بالدول.
المرحلة الثانية:من إعلان الجمهورية العربية الصحراوية 27 فبراير 1976 إلى غاية وقف إطلاق النار 1991.
بعد إعلان الجهورية الصحراوية 27 فبراير 1976 والذي شكل الرد السياسي والقانوني القوي على الفراغ الذي خلفه إنسحاب المستعمر الإسباني ،جاء الإعلان المباشر عن تاسيس أول حكومة صحراوية بتاريخ 05 مارس 1976، إيذانا بالتعريف بالدولة الصحراوية والبحث عن الإعترافات بها ،حيث تواترت الدول تباعا بدءا من: مدغشقر ،بنين،الجزائر ،واليمن، ليتواصل المشوار إثر الجهود الحثيثة لكوكبة المناضلين ضمن سلك العمل الخارجي ،وبتشكيل الحكومة الصحراوية التي إضطلعت بمهامها السياسية والإعلامية،وأوكل إلى جل أعضائها العمل الدبلوماسي والخارجي ،إذ أن رئيسها أنذاك هو المكلف بالعلاقات الخارجية لجبهة البوليساريو،كما أسندت مهمة العمل الخارجي للمجلس الوطني الصحراوي المؤقت إلى جانب تظافر جهود المنظمات الجماهيرية كروافد للجبهة الشعبية ،وقد بذلت جهود لتقوية مركزية جهاز العلاقات الخارجية وتنظيم هذا القطاع إلى غاية 1982 ،حيث تدعمت المؤسسات الوطنية بأطقم من أعضائه بما فيها جيش التحرير الشعبي الصحراوي ،ليعود أغلبهم بعد ذلك لمزاولة مهامه الخارجية ناقلا آمال وآلام شعبه للعالم الخارجي.
لقد شكلت هذه المرحلة إمتدادا لمرحلة التأسيس الباهرة وراكمت العديد من المكاسب والمواقف والتحولات المؤثرة من ذلك مثلا: تواصل هجمات جيش التحرير الشعبي الصحراوي الكبيرة،هجمة الشهيد الولي ،هواري بومدين،هجمة المغرب العربي الكبير، و الإنعكاسات الإيجابية العظيمة لها داخليا وخارجيا من خلال كثافة الإعترافات ،وتعاظم قوة وتماسك لحمة الشعب الصحراوي ووحدته الوطنية وإلتفافه حول دولته وحركته التحررية ،وهو ما عكسته المناسبات والذكريات الخالدة والحضور الأجنبي والوطني الكثيف والنوعي لها ،والتي ظلت تخلد المآثر وتترجم جوانب من عظمة وشموخ هذا الشعب وقوة صلابة وحدته وإلتفافه حول طليعته الصدامية ودولته الفتية.
حفلت تلك الحقبة كذلك من بين ما حفلت به بالمكاسب القانونية على صعيد الأمم المتحدة ومجلس الأمن من خلال التصور القانوني والسياسي لتناول والتعاطي مع القضية الصحراوية،ولعل قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 34/37 و 35/596 عامي 1979 و 1980 ،اللذين وضعا المخزن المغربي في حجمه الجدير بالإدانة كقوة احتلال غازية، إضافة إلى عشرات اللوائح والتوصيات وحجم الانتشار للدول المعترفة بالجمهورية ومساحة تواجد السفارات والممثليات للدولة والحركة عبر قارات العالم،هذا علاوة على المكانة المعتبرة للدولة الصحراوية بالوحدة الإفريقية في مختلف الشراكات والمحافل الدولية.
المرحلة الثالثة من 1991 -2020
· تكريس شرعية وحدة التمثيل للشعب الصحراوي على المستوى الدولي.
· اعتراف أقوى الدول الإفريقية بالجمهورية الصحراوية:الجزائر،جنوب إفريقيا ،اثيوبيا ،نيجيريا...... لتتواصل الإعترافات بعد ذلك الى ان وصلت 84 دولة.
· بعد المؤتمر التاسع كان التوجه الوطني لبناء الإدارة و هيكلة مؤسسات الدولة في ظل هذا تدخل وزارة الخارجية تجربتها مع الهيكلة الإدارية والتنظيمية إذ تمكنت في هذه المرحلة من تثبيت ركائز أساسية كمحددات لمعركة المصير .
· التحرير لمساحات معتبرة من الأراضي، وجعلها محطة إستقطاب للوافدين الأجانب بتخليد المناسبات والفعاليات ،و تكريس سياسة الإعمار بها ،في ظل التواجد السكاني والمؤسساتي وحماية نواحي جيش التحرير الشعبي الصحراوي .
· إكتساح ساحات للعمل الحقوقي والإنساني في مواجهة العدو ،و الإبداع في فتح جبهات صراع مختلفة معه، بما فيها ملف الثروات الطبيعة و حقوق إنسان ،جدار العار.
· كسب جولات قانونية على مستوى المحاكم الدولية و الأوروبية .
· التغلغل في المنتديات الدولية و الأمميات .
· الدولة الصحراوية عضو مؤسس للإتحاد الافريقي .
· حركية غير مسبوقة في الزيارات و الزيارات المتبادلة لشخصيات وازنة من رؤساء دول ، أمناء عامين للأمم المتحدة ، مبعوثي الأمين العام ، قادة أحزاب ، بعثات و موظفين من الاتحاد الافريقي و برلمانات و تشكيلات مجتمع مدني من مختلف دول العالم .
· زيارات رئيس الجمهورية لعديد الدول الصديقة و المشاركة في أكبر التظاهرات الافريقية و الدولية.
· تثبيت الحق في تقرير المصير كقاعدة أساسية لكل المقترحات و مرجعية تحكم العلاقات المتبادلة .
· المساهمة في تنويع مصادر الدعم و مرافقة الجهات ذات الصلة .
المرحلة الرابعة :من 13 نوفمبر 2020 إلى الآن
إن أهم محددات هذه المرحلة وسماتها المفصلية هو إستئناف الكفاح المسلح على نسف وقف إطلاق النار من قبل المحتل المغربي يوم 13 نوفمبر 2020م بمنطقة الكركارات ،لتشكل بذلك تلك الورطة فرصة للتخلص والتحلل من أحابيل ومناورات المنتظم الدولي إنسجاما مع مقررات المؤتمر الخامس عشر للجبهة ،من خلال هيئاته الممثلة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن طيلة أزيد من ثلاثة عقود ونيف دون أن تتقدم في فرض السلام وإحقاق الحقوق الشرعية للشعب الصحراوي في الحرية والإستقلال على كامل ترابه الوطني ،لقد مثلث هذه اللحظة التاريخية إنعطافة في مسار الكفاح التحرري الصحراوي وإستعادة للمبادرة الوطنية في العودة إلى الكفاح المسلح من جديد وبنفس جديد حتى تجسيد شعارنا الخالد كل الوطن أو الشهادة ،كما كانت إيذانا بالقطع على محاولات تحييد الإتحاد الإفريقي وثنيه عن لعب الدور المنوط به في القضية الصحراوية من خلال قرارات قمة الإتحاد الإفريقي ديسمبر 2020 لإسكات البنادق ،وقمة مجلس السلم والأمن حول الوضع في الصحراء الغربية مارس 2021م ،ومنذ ذلك التاريخ الذي أشر للتحول وشكل إيذانا بدخول القضية الصحراوية مرحلة جديدة سمتها الأساسية إنخراط الجسم الصحراوي بكل تواجداته تحت لواء الجبهة الشعبية في مرحلة الكفاح المسلح ،وتسخير كل الطاقات الوطنية وجبهات الفعل بالداخل والخارج خدمة لهذا الهدف ،ومنذ تلك اللحظة الحاسمة في تاريخ الشعب الصحراوي فقد بدأ مسار الأحداث يأخذ منحنى مغايرا لما كان عليه بما يخدم القضية الصحراوية ،حيث عرف مستوى التعاطي السياسي والإعلامي زخما متصاعدا ،و توالت الإنتصارات والمكاسب على صعد شتى ،و بدأ العدو المغربي في المقابل يترنح ويتخبط في أزمات ويتلقى نكسات متوالية في علاقاته الدولية حتى مع اقرب حلفائه ،وينبغي الإشارة هنا إلى القرار التاريخي للبرلمان الأوربي 10 يونيو 2021م ،فقد أشر لإنحسار المغرب واللوبيات المؤيدة له خارجيا ، و هو بالمقابل ما يفتح آفاقا واعدة لعمل الدبلوماسية الصحراوية ،وتعزز ذلك بقرار المحكمة الأوربية 29 أكتوبر 2021 بإلغاء الإتفاقيات المبرمة مع المملكة المغربية الذي شكل مكسبا هاما في المرحلة الحالية.
إن الدبلوماسية الصحراوية نابعة من عقيدة تحررية مقاومة لا تعرف المهادنة ولا الرتابة ولا المستحيل،ميزتها الأساسية التحدي والتأقلم مع كافة التحولات وقهر الصعاب وتحويلها إلى فرص ونقاط قوة لصالح القضية الوطنية ،ومن هنا بات لزاما على هذه مناضلي هذه الجبهة الأمامية من جبهات الفعل الوطني كل من موقعه،التناغم ومتطلبات مرحلة مابعد 13 نوفمبر 2020 ،بضبط إيقاع المواجهة مع العدو وحلفائه ،على أساس بوصلة العمل القتالي اليومي لبواسل جيش التحرير الشعبي الصحراوي.