الأدب الحساني
وهو الشعر المتداول عند الشعب الصحراوي، والمنسوب إلى لهجته الحسانية. ويعتقد المؤرخون أن ظهوره يعود إلى مطلع القرن السابع عشر الميلادي، بينما يرى آخرون أن ظهوره كان مع ظهور اللهجة الحسانية، وهي الفترة التي بدأ فيها الإنسان الصحراوي بنظم الشعر.
:أما بحوره و أوزانه فقد مرت بمرحلتين هامتين هما
أولا - ما قبل الموسيقى: و هي المرحلة التي كان فيها الشعر نوع من النثر المميز تقريبا ، حيث كانت الأبيات لا تقاس على بعضها و لا توجد فيه " الطلعة " و إن و جدت فهي على غير قافية واحدة قد يكون لها قافيتان أو ثلاثة أو أربعة ، و كانت أوزان " الكاف الواحد" ( البيت الشعري) تنظم على أساس الشكل أي الفتح و الضم و الكسر و السكون ، دون الاهتمام بالحرف و ظل هكذا مدة طويلة حتى بدأ بروز معالم مرحلة أخرى في الظهور حيث تطور الشعر في تلك لمرحلة و أستطاع الشعراء حصر الوزن على المتحركين المتناغمين مع الموسيقى و قد نتجت عن ذلك ميزة أخرى مهمة تمثلت في إعطاء أولوية لتساوي الأبيات و قياس بعضها على البعض دون زيادة أو نقصان .. مما أعطى القافية نوعا من الثبات ، حينها ظهر ما عرف لاحقا بالحمر و العقرب و سيبقيان بصفة نهائية كأساس لا بد منه لأي وزن أو نظم شعري حساني.
ثانيا - شكل ظهور الموسيقى دفعا جديدا لتقدم الشعر الحساني و الرقي به إلى مرحلة أكثر تقدما من سابقاتها حيث أجبر الشعراء على مرافقة النوتة الموسيقية و كل شعر لا تتوفر فيه ميزة القابلية لمرافقة النوتة الموسيقية أصبح غير مقبول و هنا برز الظهر الذي هو مجال العزف الموسيقى مما أدى إلى تشكل بحور الشعر الشعبي الحساني على غرار بحور الشعر العربي المعروف و لكل ظهر ألحانه و نغماته الخاصة كما له شعره الخاص الذي لا يمكن أن يغنى أو يلحن في ظهر غيره و أضيفت " الطلعة " ذات الحمر الثلاثة و قننت متحركات الشعر لتصبح من واحدة إلى ثمانية.
و للإشارة لا بد من التنويه إلى أن شعر المرحلة السابقة لا زال معترف به و قد جمعت كل بحوره في بحر واحد سمي اصطلاحا البت الكبير و قد كانت هناك بحور كثيرة منها : الرسم و المصارع ( بفتح الميم و تشديد الصاد و تسكين العين ) ، و لعسير ، و أشطان و أزمول ، و التروس ، و الواكدي ....الخ.
إلا أن التطور الذي حصل في مجال الشعر الشعبي أدى في مجمله إلى تجاوز الكثير من البحور و الاحتفاظ بما نعرفه الآن فقط و التي هي:
01 ـ بعمران : يبنى "الكاف" في بعمران على سبعة متحركات تبدأ ب : متحرك و ساكن ثم متحرك.
02 ـ مريميدة : و هو بحر نظمه قريب من نظم بعمران لأنه يبنى كذلك على سبعة متحركات لكنه يختلف عنه من حيث ترتيب المتحركات لأنه يبدأ بمتحركين يليهما ساكن و قد يبدأ بساكن.
03ـ الصغير : و الذي سبق و إن اشرنا إلى إحدى مميزاته و هي كونه لا يقاس على شطره الأول لوحده و إنما لا بد من أخذ الشطرين الأولين بعين الاعتبار لأنه يبنى على سبعة في الشطر الأول و خمسة في الثاني و لا ينتهي إلا بسكون و له شرط ثالث يتمثل في انه بعد كل خمسة متحركات لا بد من سكون حتما و كما أن حرفه الثالث لا بد أن يكون ساكنا أيضا.
04 ـ لبير : الذي يعتبر سبكه كسبك "لبتيت " تقريبا رغم أنه ينقص عنه بمتحرك و احد حيث أن شعر بحر " لبتيت " ينظم على سبعة متحركات و يتميز شطره الأول بما يعرف في الحسانية ب " لحراش " أما شطره الثاني فهو مسبول (سلس) عكس الشطر الأول و هذه ميزة أخرى يمتاز بها عن "لبتيت" و قد يتحول في بعض المواقف إلى ما يعرف " بتاطراتق " أو " مماية لبير. "
05 ـ لبتيت : و هو نوعان ، ما يعرف ب " البتيت الناقص " و هو الذي يكتب بستة متحركات و " لبتيت التام " و الذي له ثماني متحركات ، عموما يعتبر " لبتيت التام " الأكثر سلاسة من بين بحور الشعر الحساني لكثرة متحركاته و أما سبب تجزئته إلى قسمين ناقص و تام فهو لأن الموسيقى تتعامل معه على أنه كذلك ، حيث نجد اسمين مختلفين لنفس البحر و هما " أعظال " و "بيقي."
كيفان كأدلة/
من اروع ماقيل في الشعر الحساني
ـ نختـيـر اديـــرك مـــلان * قسمـه فتفـاك امعيـان
وانـادوســدوم امـعــان * واخواتك همـات وامـك
واكتـن ذ كامـل يتـكـان * نتمكن يانت من كمـك
وايدك وانديرك فبطيطه * مصكوله وانكـز املمـك
وانتـم انطيـر لمغيـطـه * وانشمك حت وانلمـك ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مذكورْ الشَّرْگْ أنُّو خْرِيفْ * عاگَبْ جَـدْبُ مَفِيـهْ رِيـفْ
إِرِيفـي يَحْثِـي وانْسِيـفْ * مـــنْ سِـنِـيـنْ أَتْـرَمـاتُــو
منْ طُـولْ الشَـدَّ وَانْزِيـفْ * سَـــدْرُ مــــاتْ ءُ تَـمـاتُــو
وَمُـورْ أَمَّلِـي مـاتْ كـيـفْ * سَـــدْرُ والـطَّـلْـحْ أَمَّـاتُــو
ماتُـو ءُ لانعـرفْ كــانْ وادْ * بــــــوگَرْفَ تَــيْــدُمــاتُــو
مـــاتـــو ولَّ يَـــكـــانْ زادْ * تَــيْــدُمــاتــو مَ مــــاتُــــو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كنتْ الشّمرَ هـيّ فـنِّ*مايـكـدرْ حــدْ اسـكـنِِّ
انوشْ ءُ نرْكـبْ وامْغـن*كنت امَّاسِ عن ذَ جازِ
غيـر اصّ خانتْـنِ سـنِّ*كنتْ امعَ سـن متخـازِ
حامـد لـل عـارف عــن*مدلـبـن عــت أمتـفـازِ
وارْكوب عتْ المركوب ِ*ءُ تـنْگاز عــاگبْ تـغْـلازِ
هاذ ماهُ كيف ْْ اركـوب ِ*كنـتْ ءُ لا كيفـت تـنگاز
02 ـ الحكاية الشعبية الصحراوية:
وهي خلاصة تجارب الأجيال وتقوم بدور كبير في تأكيد الروابط الاجتماعية، وفيها تتجلي حكمة الشعب، ففي وقت كان فيه البيت هو المدرسة الوحيدة التي يتخرج منها الإنسان، كانت الحكاية الشعبية بطريقة غير مباشرة إحدى وسائل التلقين وتوجيه الأجيال وتوسيع الخيال.
لاشك أن الحكاية وليدة التجمعات الإنسانية ولعل الصحراء مشاع خصب لتنامي الخيال وتوالده ، والحكاية في الغالب تجسيد للصراع القائم بين قوى الخير والشر.
ويبقى الليل وقتا مناسبا لسرد الرواية إما لتسلية الأطفال حتى يناموا أو للتسامر بين الكبار بما تتطلبه الحكاية الحسانية من مهارة السرد والتمثل والتشخيص الصوتي والدقة في توصيل المغزى... و نجد الراوي إما شيخا (شيباني) أو عجوزاً (كهلة) لقدرتهما على السرد وحفظ متون الروايات معتمدين في ذلك على اللهجة الحسانية.
وتعرف حكاية (شرتات) انتشارا واسعا في ربوع الصحراء، إذ تذهب أغلب الروايات الشفوية أن شرتات كان بشريا يعيش في الصحراء متنقلا بن أطرافها، كما يتخذه البعض كناية على بعض الحيوانات كالذئب في خداعه، والأسد في تجبره.
ومن الحكايات الشعبية الصحراوية أسريسرذهبو والتي تروي قصة إخوة قرروا إذا أنجبت أمهم ذكرا فسيهيمون في الارض، بينما إذا أنجبت لهم أختا فسيقيمون لها احتفالا كبيرا، فأمروا الخادمة أن تخبرهم بما أنجبت أمهم، فكذبت عليهم الخادمة لكرهها لهم فأخبرتهم ان أمهم أنجبت ذكرا بينما في الحقيقة أنها أنجبت أنثى، فتاه الأخوة في الأرض ولم يلتقوا باختهم الوحيدة إلا بعد زمن طويل و معاناة كبيرة مع ما في الحكاية من تشويق .
وهناك قصة "تيبة" التي ترم الي الغباء و"جحا" الذي يرمز إلى التسلية والفكاهة
03 ـ المثل الشعبي الصحراوي:
المثل مجهول القاتل في أغلب الأحيان، فتناقلته الألسن فصارت الجماعة هي المؤلفة له والمعبرة عنه.
وللمثل مورد ومضرب، من الأمثال الشائعة عند الصحراويين قولهم:
ـ ساوي بين أجمالك ماتعرف أعل أيهم تعكب
ويضرب على المساواة بين الأبناء والاخوة والأصدقاء وعدم تفضيل أحدهم عن الآخر
وقولهم: البل أتبرك على كبارها.
ويضرب على تقليد الصغار للكبار.
ـ اللي أدخل غابة يزوي زي أطيورها
ويقصد به إذا كنت في جماعة فعليك أن تحترم مقدستها وخصوصياتها.
04 ـ الأحاجي الشعبية الصحراوية:
يزخر التراث الشعبي الصحراوي بالاحاجي التي كان يتبادلها الأجداد للتسلية إذ كانو يستعملون الأحاجي لإظهار القدرة على التفكير واختبار الذكاء.
و يتخذ اللغز أوا لأحجية الشعبية االصحراوية شكل السؤال الذي يستلزم الإجابة عنه.
و الأحاجي الشعبية، كلمات مسجوعة أو منظومة في قالب أسئلة تختبر بها الناس ذكاء بعضهم بعضا.
وتتطلب الأحجية الشعبية سائلا ومسؤولا، وعلى المسؤول أن يكون على يقين من أن سائله يعرف الحل الصحيح ، ولا يكون الحل إلا بعد أن يبذل المسؤول جهدا جهيدا ، فإذا عثر على الحل الصحيح فإنه يشعر بحالة اقتناع تام لأنه أصبح في درجة ممتحنه من المعرفة.
ومن الأحاجي الصحروية قولهم"حجيتك ماحجيتك لو ماهوماتي ماجيتك" ويقصدون أقدام الأرجل، وقولهم"مية أكعود ومية اوكوف ومية يتخابطو باسيوف" ويقصدون أهداب العين..