ما قبل الاستعمار الاسباني الفرنسي
ما قبل الإستعمار الاسباني الفرنسي:
عرف الصحراويين قديما بنظامهم المتميز والمتمثل في مجلس ايت أربعين بمعنى حكم الأربعين، وهو عبارة عن مجلس لأعيان القبائل تتم العضوية فيه على أساس الترشيح القبلي ورئاسته متداولة بين الأعضاء، وتصدر قراراته بالإجماع طبقا للأعراف والتقاليد وعلى قاعدة الشريعة الإسلامية.
أيت أربعين هي السلطة العليا التي تضم في تشكيلها وجهاء الأعيان من كل القبائل الذين تفوضهم لتمثيلها . ويقوم المجلس بسن القوانين الملزمة للجميع ويسهر على الدفاع عن الوطن ، تأمين المراعي ، حضانة أبار المياه ، الحفاظ على ألاماكن الصالحة للحرث والإشراف على توزيعها وحدود التماس مع الجيران. كما أنه مفوض للتفاوض باسم القبائل.
وهناك الكثير من المراجع تشير إلى تراث ايت أربعين المكتوب، ومنها ما ذكره الاسباني خليو كاروباروخا في كتابه دراسات صحراوية وكتاب جامع المهمات لمؤلفه المرحوم محمد سالم لحبيب الحسين، ونورد هنا نموذجا من التشريع الذي تبنته أيت أربعين في وثيقة مؤرخة في 24 ذو الحجة 1165 هجرية، والتي يؤكد فيها المجلس على انه من بين الأسباب التي دعت إلى قيامه:
. 01ـ إقامة حدود الله
. 02ـ عدم وجود سلطان في الأرض غير سلطان القبائل
. 03ـ أهمية السلطة لما توفره من أمن وحماية للجميع
وفي ما يلي مختطفات من الوثيقة المذكورة :... ( وجعلوا أيضا فرائض فرضوها على من تحدى وخالف ما هو الأصلح بهم عقوبة له إذ لا يردع ولا يجزا إلا بها . ونذكر من بين هذه العقوبات ما يلي:
01ـ كل من أعان ظالما ولو كان أبه أو أخاه يقوم بإطعام أيت أربعين، وإن كانوا جماعة يقوم كل واحد منهم بذلك بمفرده.
. 02ـ من أتلف حرث غيره فعقوبته 5 مثاقيل فضة
03ـ من سل مكحلة ( من اشهر سلاح ) في وجه أحد فعقابه خمسة مثاقيل فضة، وإن جرحه يدفع ابن لبون من الإبل.
04ـ من أكل أموال أخر ظلما فعقوبته وعقوبة من يساعده أبن لبون من الإبل لكل واحد ويرد للمظلوم ما أخذ منه.
05ـ من منع الشريعة ( أي دعاه القاضي ولم تستجب ) يغرم بعشرة مثاقيل فضة.
06 ـ كل قبيلة تعلن العداوة لقبيلة أخرى تدفع عشرة نوق .
هذه البنود القانونية التي يعود تاريخها إلى أكثر من قرنين ونصف من الزمن تبرهن أن الصحراويين لا يقبلون الفوضى ويرفضون شريعة الغاب. وكل دارس متأني سيجد أنها تمجد الإنسان والقيم الأخلاقية وتكتسي طابع شمولي وارتباط عميق بالشريعة الإسلامية الحنيفة كمرجع أساسي وعادات وتقاليد شعب عربي نبيل في تعامله ومعاملاته كعماد وركيزة ثابتة. بالرغم من صعوبة الظروف الطبيعية وتخلف وسائل الحياة عموما قاوم الشعب الصحراوي العديد من المحاولات الأجنبية التي سببها الطمع في القوافل التجارية قديما والبحث عن مواقع استراتيجية على شواطي أفريقيا التي اتجهت إليها الأنظار بعد النهضة الأوروبية ونظرا للأهمية الاستراتيجية للصحراء الغربية والمتمثلة في:
ـ موقع جغرافي يربط إفريقيا بأوروبا
ـ قربها من جزر الكناري الاسبانية
ـ شوا طي غنية بمختلف أنواع الأسماك
ـ قنطرة عبور للقوافل التجارية شمالا وجنوبا
مع نهاية القرن الرابع عشر ، وصلت جماعات من البرتغاليين والاسبان إلى شواطي الصحراء الغربية يحذوهم الأمل في الهيمنة على الطريق التجارية الصحراوية والسيطرة على منجم الذهب في مالي ، وقد واجهتهم القبائل الصحراوية. ثم كان الاتفاق الأسباني ـ البرتغالي المعروف بمعاهدة ( ترويسياس) وفيها حصلت إسبانيا على حق إخضاع المنطقة الصحراوية.
والواقع أن علاقة إسبانيا بالمنطقة تعود إلى سنة 1525 ، حيث كان البحارة الكناريون يقومون بالتبادل التجاري (المقايضة) مع سكان الساقية الحمراء ووادي الذهب ، وبموجب هذا الاحتكاك أصبح بعض السكان على إلمام نسبي باللغة الاسبانية.
ثم جاء مؤتمر برلين عام 1884 وفيه اقر الأوروبيون لأسبانيا بحقها في استعمار إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب . وبذلك حصل الأسبان على ما كانوا يحتاجونه لتشريع احتلالهم لمنطقة الصحراء الغربية.